الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات أعلام اسلامية: عثمـان بن عفان

نشر في  31 ماي 2017  (12:07)

ثالث الخلفاء الراشدين، عُرف عنه الورع والزهيد والتقى، وكان طيب السريرة متزن القول صادق العهد، جميل الصفات وهو تقي ورع حيي، ولحيائه استحت منه الملائكة، إنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي يجتمع نسبه مع النبي في عبد مناف.
ولد ثالث الخلفاء الراشدين في السنة السادسة بعد عام الفيل، وأمه أروى بنت كريمة بنت ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمها البيضاء بنت حكيم بن عبد المطلب عمة رسول اللّه.
كان عثمان يعمل بالتجارة قبل إسلامه وكان غنيا كريمًا محببًا من قومه لكرم أخلاقه ومحترما لديهم حتى قيل إن المرأة كانت تدعو لصبيها وهي تقول «أحبك الرحمن حب قريش عثمان».
كان عثمان رضي الله عنه من أول من آمن مع سيدنا محمد فأحبه النبي وجعله موضع ثقته، ثم زوجه ابنته رقية التي ماتت في السنة الثانية من الهجرة فزوجه بابنته الأخرى أم كلثوم ولذا سمي ذا النورين. ثم توفيت أم كلثوم فقال رسول اللّه لو أن لنا ثالثة لزوجناك إيّاها.
عندما أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا وقال له: ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث واللّه لا أدعك أبدا حتى تدع ما أنت عليه، فقال عثمان واللّه لا أدعه أبدا ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
ولما اشتدت قريش في اضطهاد المسلمين هاجر إلى الحبشة مع رقية بنت رسول اللّه فكان أول من هاجر ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة. بذل عثمان في نصرة الإسلام نفسه وماله وجاهه حتى أنه حمل في تجهيز جيش العسرة ألف بعير وخمسين فرسا وكان هذا الجيش متوجها إلى تبوك.

الفتوحات في عهده

عندما ولي أمر المسلمين خلفًا لسيدنا عمر بن الخطاب، عمل عثمان على توطيد نفوذ المسلمين في كثير من البلاد التي تم فتحها من قبل، كما نجح ولاته في ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية، ففي سنة 24هـ، جرى غزو «أذربيجان» و»أرمينية» للمرة الثانية على يد الوليد بن عقبة بعد أن امتنع أهلها عن دفع ما كانوا قد صالحوا المسلمين عليه، وفى نفس العام وصل معاوية بن أبى سفيان إلى الشام لصد الروم التي تحركت لغزو الشام واستعادتها من المسلمين، فأرسل جيشًا من أهل الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي في ثمانية آلاف رجل، وتولى قيادة جيش الشام حبيب بن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات على الروم، وأوقعوا بهم، وتوالت الفتوحات الإسلامية، فعاود معاوية بن أبى سفيان غزو الروم، وتوغل في أرضهم حتى وصل «عمورية»، وكان معاوية يهدف من وراء ذلك إلى شغل الروم بالدفاع عن الأقاليم المتاخمة للقسطنطينية فيسهل عليه فتح ما تبقى لهم من قلاع وحصون على ساحل الشام، وقد نجح في ذلك ففتح قنسرين وغيرها.
وفي الشرق بلغ «عثمان بن عبدالله» أرض كابل «أفغانستان الحالية»، وفى سنة 27هـ جهز الخليفة جيشًا لفتح أفريقية «تونس حاليّا» وفي العام التالي أمد الخليفة جيش الفتح بقوات جديدة في مقدمتها عدد من إعلام الصحابة كعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، والذين قد عرفوا بالعبادلة.
وانتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطي وسميت هذه الواقعة بغزوة «العبادلة»، وفيها قتل القائد البيزنطي جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير، واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هـ.
وفى سنة 28هـ عمل معاوية على وضع النواة الأولى للأسطول الإسلامي، فاستأذن الخليفة في ذلك، فأذن له فبدأ يعمل على إنشاء هذا الأسطول، كذلك سلك نفس المسلك عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى مصر، ولما أتم معاوية تجهيز أول أسطول إسلامي اتجه به إلى غزو قبرص حيث كانت تعد محطة تموين للأسطول البيزنطي في البحر المتوسط وهو الذي اعتاد مهاجمة الشواطئ الإسلامية، وتم لمعاوية فتحها سنة 28هـ.
ولما بلغ هرقل، إمبراطور الروم، خبر استيلاء العرب على بلاده في أفريقية جهز أسطولًا كبيرًا مؤلفا من 600 مركب، واتجه به من القسطنطينية في البحر إلى ناحية تونس هادفًا إلى القضاء على البحرية الإسلامية الناشئة، فخرج إلى الأسطول الإسلامي بشقيه الشامي والمصري بقيادة عبدالله بن سعد بن أبى سرح، والتقوا بمراكب الروم بالقرب من شواطئ «كيليكيا» فانهزم الأسطول الرومي، وفر قائده بما بقى من مراكبه في موقعة «ذات الصواري» سنة 31هـ.
وهكذا فقد كانت الفتوحات الإسلامية أيام عثمان بن عفان كبيرة وواسعة إذ أضافت بلادًا جديدة في أفريقية وقبرص وأرمينيا، وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب.

قتله وبداية الفتنة

 ورغم هذا فقد حدثت فتنة في أواخر عهد عثمان، فقد اتهمه فيها البعض بأنه يقرب إليه بنى أمية ويستشيرهم في أموره، ويسند إليهم المناصب المهمة في الدولة، وظهرت بعض الشخصيات التي صارت تبث روح السخط والتمرد في نفوس أهل البلاد، ومن ذلك ما قام به عبدالله بن سبأ «المعروف بابن السوداء» وكان يهوديّا يُظهر الإسلام، حيث تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد الخليفة، ولم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أقبل إلى المدينة في شوال سنة 35هـ وفد من العرب المقيمين في مصر والكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساؤوا للمسلمين، ومازالوا بالخليفة حتى قبل بعض مطالبهم، وسافروا من المدينة، ثم ما لبثوا أن عادوا إليها وفى يدهم كتاب بختم عثمان، قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلى ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم، فحلف عثمان أنه لم يكتب ذلك، ثم زعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم فطلبوا إلى الخليفة أن يخرجه لهم فلم يقبل لكذب هذا الزعم ولخشية أن يقتلوه ظلمًا، فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء، وضرب الثائرون حصارًا حول دار عثمان بن عفان، ولما علموا أن ولاة الخليفة في الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه شددوا الحصار على عثمان، وأساؤوا معاملته، وبعد أن استمروا في محاصرته أربعين يومًا، هجم عليه بعضهم وقتلوه، فقتل مظلومًا ـرضى الله عنه ـ في اليوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة سنة35هـ، وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء على المسلمين.